توجيه الشعوب بالإيحاء: آلية السيطرة غير المباشرة عبر التاريخ
مقدمة
منذ فجر التاريخ، والأنظمة السياسية والجهات الفاعلة في الظل تمارس فنون التأثير على الشعوب بوسائل متعددة، من بينها التوجيه بالإيحاء. وتعد هذه الآلية من أخطر أدوات السيطرة الفكرية والنفسية، لأنها تتسلل إلى وعي الأفراد والمجتمعات دون أن يشعروا، فتشكّل قراراتهم، وتحدد مواقفهم، وتدفعهم إلى سلوكيات قد لا تكون نابعة من إرادتهم الحرة.
يتجلى التوجيه بالإيحاء في صور متعددة: إعلامية، دينية، ثقافية، نفسية، وعبر أدوات الدولة الرسمية وغير الرسمية. وقد يكون مصدر هذا التوجيه محلياً أو خارجياً، صادراً عن الدولة نفسها أو عن قوى أجنبية تسعى للتأثير في شعوب أخرى من أجل تحقيق مصالحها الجيوسياسية أو الاقتصادية أو الأيديولوجية.
في هذا البحث، سأعرض مفهوم التوجيه بالإيحاء، و سأرصد أنواعه وآلياته، وسأعطي مثال رمزي يُجسّد كيف يمكن لشخص أو جهة أن توجّه سلوك الآخر دون أن تُمسك به مباشرة.
مثال رمزي تمهيدي: الإيحاء كأداة للقتل بالوكالة
لفهم خطورة الإيحاء، يمكن الاستعانة بقصة رمزية توضح كيف يُمكن للإنسان أن يُدفع إلى اتخاذ قرارات مصيرية بناءً على إيحاء كاذب:
عادل رجل متزوج من سيدة فاضلة ولديهما عدد من الأطفال. يسكن بجوارهم رجل خبيث يطمع في الاستيلاء على منزلهم بثمن بخس. أثناء غياب الزوج، يقتحم الجار الخبيث المنزل، يغتصب الزوجة ويقتلها مع أطفالها، ثم يخرج بهدوء ويراقب الموقف من بعيد. عند عودة الزوج، يُفاجأ بالمجزرة. فيأتي الجار الخبيث ويوحي له قائلاً: "رأيت جارنا الآخر يخرج مسرعاً ومضطرباً من بيتك".
تحت تأثير الصدمة والإيحاء، يندفع عادل لقتل الجار البريء، معتقداً أنه ينتقم لشرفه. يُسجن عادل، بينما يشتري الجار الخبيث المنزل لاحقًا بثمن زهيد. وهكذا، تحقق هدف المجرم عبر الإيحاء، دون أن يرتكب الجريمة المباشرة التي أُدين بها الآخر.
هذا المثال الرمزي يوضّح كيف يمكن للتوجيه الخفي أن يُحدث نتائج كارثية، دون أن يبدو للوهلة الأولى أن هناك تدخلاً مباشراً.
أنواع التوجيه بالإيحاء
1. التوجيه الداخلي المباشر
وهو التوجيه الذي يصدر عن السلطات الحاكمة وأجهزتها الرسمية، باستخدام أدواتها الفكرية والمؤسساتية مثل:
أجهزة المخابرات
الإعلام الرسمي
المؤسسات الدينية
الأكاديميون والمفكرون المرتبطون بالنظام
الفنون التي تُستخدم في تمجيد السلطة أو تبرير سياساتها
يهدف هذا التوجيه إلى ضمان بقاء الأنظمة عبر هندسة وعي الجمهور وجعلهم يظنون أن خياراتهم حرة، بينما هي موجهة بعناية من النخبة الحاكمة.
2. التوجيه غير المباشر عبر العملاء والوكلاء
ويُمارَس من قِبل جهات خارجية أو أطراف داخلية لها ارتباطات بقوى خارجية. يهدف هذا النمط من التوجيه إلى إثارة الشعوب ضد أنظمتهم أو ضد بعضها البعض من خلال:
زرع الشائعات
تحريك الخلايا النائمة
توجيه الرأي العام عبر وجوه "مستقلة" ظاهرًا، ولكنها مأجورة ضمنًا
استخدام رموز "المعارضة المصنوعة" لخدمة مشاريع خفية
3. التوجيه الإعلامي
وهو من أخطر وأوسع أشكال الإيحاء وأكثرها انتشارًا، ويُمارَس عبر:
الصحف والمجلات
البرامج التلفزيونية، لا سيما الدراما والمسلسلات
الأفلام السينمائية (التي تُمرر رسائل سياسية أو اجتماعية)
البرامج الحوارية والتوك شو
منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت وسيلة فاعلة في تشكيل الرأي العام
يستهدف هذا التوجيه خلق قوالب نمطية في عقول الجماهير، وتكرار رسائل محددة حتى تصبح "حقائق" غير قابلة للنقاش.
4. التوجيه الديني والثقافي المؤسسي
وهو نمط يتجاوز الأدوات المباشرة، ليصل إلى عمق الهوية والوعي التاريخي. ويتم عبر:
إنشاء مذاهب وفرق دينية تخدم أجندات معينة
تأسيس أحزاب سياسية تتقمص الطابع الديني أو القومي لتفتيت وحدة المجتمع
التلاعب في مناهج التعليم والتربية الوطنية
تشكيل منظمات "إنسانية" ظاهرًا، لكنها تلعب دورًا أيديولوجيًا
إعادة كتابة التاريخ أو تزويره لخدمة مصالح محددة
هذا النمط يهدف إلى إنتاج أجيال تحمل منظومة فكرية مصممة مسبقًا، دون وعي منهم بذلك، مما يجعل مقاومة الإيحاء لاحقًا أكثر صعوبة.
أمثلة تاريخية على توجيه الشعوب بالإيحاء
1. إنشاء طوائف دينية لتوجيه العرب ضد الرومان
مارساليهود نفوذهم من خلال إنشاء طوائف دينية كـ"الهاجريين" و"الحشاشين"، والتي جرى توجيهها لمحاربة الرومان والنصارى، ما أدى إلى إشغال العرب بصراعات دينية بدلًا من توحيد صفوفهم.
2. الحروب الصليبية وفِرسان الهيكل "ناطوري كارتا"
ساهمت جماعة فرسان الهيكل "طائفة ناطوري كارتا"، والتي تُعد الجناح العسكري لليهو د، في تحريض الشعوب الأوروبية على شن الحروب الصليبية تحت غطاء ديني، بينما كانت الدوافع الحقيقية مرتبطة بالهيمنة والسيطرة الجغرافية، خاصة على المشرق.
3. تحريض المغول على غزو العراق
أُوحي إلى المغول بأن غزو العراق كان ردًا على "ظلم البابليين" لليهو د، وهو توظيف ديني وانتقامي مبني على السردية التوراتية التي تصوّر "سبي بابل" كجريمة تاريخية تستوجب الثأر.
4. التتار كأداة ضرب للمنطقة العربية والإسلامية
جرى استخدام التتار، ضمن خطط استراتيجية، كأداة لتحطيم التحالفات الإسلامية والمسيحية في المشرق، بهدف تمهيد الطريق لنفوذ خارجي يتجاوز الصراعات الدينية الظاهرة.
5. تأسيس البروتستانتية والأنجليكانية
خُدعت الشعوب الأوروبية بتفسيرات دينية جديدة للكتاب المقدس، بعد التلاعب بترجمته، ما مهّد لتأسيس تيارات مسيحية جديدة كالبروتستانتية والأنجليكانية، الهدف غير المعلن منها كان تحطيم سلطة الكنيسة الكاثوليكية وتقريب أوروبا من الرواية الدينية اليهو دية.
6. الثورة الفرنسية ونابليون
استُخدمت الثورة الفرنسية كرافعة لتغيير أنظمة الحكم وتفكيك الدين في أوروبا. كما أُوحي لنابليون بضرورة غزو مصر وفلسطين ضمن مشروع "إعادة بناء مملكة إسرائيل الكبرى"، الممتدة من النيل إلى الفرات، وفق روايات توراتية.
7. الحربان العالميتان الأولى والثانية
هناك أدلة على دور خفي لليهو د دور كبير في إشعال الحربين، عبر استغلال التوترات السياسية والاقتصادية، تمهيدًا لإنشاء وطن قومي لليهو د في فلسطين.
8. احتلال العراق بذريعة الأسلحة الكيماوية
رُوّجت أكاذيب عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لتبرير الغزو الأمريكي، بينما تشير النصوص التوراتية إلى نبوءة "الانتقام من بابل"، مما يدل على خلفية دينية خفية للغزو، مرتبطة بأسطورة "سبي اليهو د".
ومن أبرز الشهادات التي تكشف الخلفية الحقيقية، ما نقله الرئيس الفرنسي جاك شيراك، حين صرّح بأن الرئيس جورج بوش قال له إن على أوروبا أن تنضم إلى غزو العراق لأن العراقيين هم "مأجوج" الذين سيسبون شعب الله المختار من جديد، حسب نبوءة توراتية. هذه الرواية أكدها الصحفي الفرنسي جان كلود موريس في كتابه:
«Si tu le répètes, je ne le croirai pas» – (لو كرّرت ذلك على مسامعي فلن أصدّقه).
9. التلاعب بالصورة الإعلامية لسجون العراق
أُسندت جرائم التعذيب في سجن أبو غريب للمسيحيين عمدًا، رغم أن منفذيها ينتمون لأجهزة مخابرات أمريكية. تم تسريب الصور بشكل مقصود لإشعال فتنة دينية بين المسلمين والمسيحيين. وقد صرح الصحفي اليهودي سيمور هيرش بأنه هو من كشف الصور، لكن هذا يُحتمل أن يكون جزءًا من بروباغندا منظمة تهدف لتقديم اليهو د كضحايا ومدافعين عن حقوق الإنسان.
التوظيف الاستخباراتي للتصوير داخل المنشآت العسكرية:
من المعروف أن معظم القوانين العسكرية في العالم، وبخاصة في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، تحظر إدخال أجهزة التصوير إلى المنشآت العسكرية والسجون، وذلك لأسباب أمنية ولمنع تسرب المعلومات الحساسة. ومع ذلك، فإن ما جرى في سجن أبو غريب بالعراق كان استثناءً غريبًا وصادمًا، حيث تم تصوير الجنود الأمريكيين – وهم يعذبون معتقلين عراقيين – بكاميرات رقمية، في خرق صريح للبروتوكولات العسكرية المتعارف عليها.
هذا الخرق لم يكن عملاً فرديًا عشوائيًا، بل تشير بعض التحليلات إلى أن الاستخبارات العسكرية الأمريكية نفسها هي من طلبت من عناصرها العاملين في السجن، والذين كانوا جنودًا من وحدات الاستطلاع أو عملاءً استخباراتيين، توثيق عمليات التعذيب بالصوت والصورة. الهدف الظاهري كان "جمع معلومات"، لكن الهدف الحقيقي – كما يرى بعض الباحثين والصحفيين الاستقصائيين – كان إثارة الفتنة الطائفية والدينية، وتحديدًا بين المسلمين والمسيحيين، عبر خلق شعور بالظلم والغضب لدى الشعوب الإسلامية تجاه "الصليب" و المسيحيين.
ويعزز هذه الفرضية أمران:
1.عدم محاكمة العناصر الأساسية المتورطة في الفضيحة محاكمة عادلة وشاملة رغم حجم الجريمة العالمي.
2.الظهور المسرحي لصور التعذيب في وسائل الإعلام بطريقة تؤدي إلى صدمة نفسية جماعية، وكأنها نُشرت عمدًا لإثارة الغضب الديني، وليس لإدانة الجناة
3.والمفاجأة الأكبر جاءت من علي شلال القيسي ، الضحية الأشهر في سجن أبو غريب صاحب الصورة الشهيرة (وهو يقف على صندوق وجسمه موصل بأسلاك كهربائية)، حين صرّح بأن من كان يحقق ويعذّب ويغتصب الرجال و النساء و الاطفال في السجن هم "حاخامات يهو د" يرتبطون بمعهد إسرائيلي يديره الحاخام يوسي زبلون، ويختص بتدريب جنود ومحققين من الولايات المتحدة، أوروبا، إفريقيا، ودول جنوب شرق آسيا كميانمار.
ملخص تحليلي:
رغم تنوع الأطراف المتنازعة والمتقاتلة في العالم، من جيوش نظامية إلى منظمات إرهابية، من مافيات إلى عصابات، ومن تيارات فكرية كالشيوعية والرأسمالية والإلحاد، و الاستعمار فإن الضحايا كانوا دائمًا من الشعوب: المسلمون، المسيحيون، البوذيون، الهنود الحمر، الأوروبيون، العرب وغيرهم.
غير أن هناك مفارقة تلفت الانتباه: لم تُسجّل استهدافات ممنهجة لليهو د من قبل تلك القوى مجتمعة، ما يثير تساؤلات حول من يقف وراء توجيه الصراعات. و هذا اكبر دليل على أن اليهو د هم المؤسسين و المحركين الخفيين لتلك الصراعات و الاعمال الارهابية ، من خلال التحكم في مفاصل القرار العالمي وتحريك الفوضى بما يخدم مصالحها.
الخاتمة:
يُعد التوجيه بالإيحاء من أخطر وسائل السيطرة على الشعوب، لأنه لا يُمارَس بالقوة، بل بالخداع والاختراق النفسي والفكري. إنه سلاح ناعم يستخدمه الأقوياء لصناعة قرارات الضعفاء، وتحريكهم كما تُحرّك الدُمى. لذلك، فإن رفع وعي الأفراد تجاه هذه الآليات يُمثّل ضرورة قصوى في ظل الحروب الحديثة التي باتت تُدار بالعقول لا بالسلاح.
الوعي النقدي، والتربية العقلية، وتحقيق استقلالية التفكير هي أدوات المقاومة الأولى أمام هذا النوع من التوجيه. إن معركة الشعوب اليوم ليست فقط من أجل الحرية السياسية، بل من أجل تحرير الوعي أولاً.
مراجع:
إدوارد بيرنايز – "البروباغندا: فن التلاعب بالرأي العام"
جورج أورويل – "1984" (رواية رمزية تكشف أنماط التوجيه)
دراسة: "الإيحاء والتلاعب النفسي في وسائل الإعلام" – مجلة علم النفس الإعلامي (2020)
تقارير اليونسكو حول تأثير الإعلام في الصراعات المحلية والدولية.*
اتصال الرئيس بوش بالرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل غزو العراق 2003:
https://www.youtube.com/watch?v=PtVtLdRxmHM
تعليقات