السلام الإبراهيمي او الاستسلام البهيمي."... قراءة في الخلفيات والأهداف
السلام الإبراهيمي او الاستسلام البهيمي."... قراءة في الخلفيات والأهداف
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية سلسلة من الاتفاقيات التي رُوّج لها باعتبارها خطوات شجاعة نحو "السلام"، السلام العالمي و أبرزها ما يُعرف بـ"اتفاقات أبراهام" أو "السلام الإبراهيمي"، الذي جمع بين دول عربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي تحت مظلة تطبيع العلاقات و التعايش السلمي.
ولكن النكتة اين؟ هي ان من يروجون لهذه المعاهدات المزعومة اياديهم ملطخة بدماء الشعوب و تاريخهم اسود.
لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة: هل نحن أمام سلام حقيقي أم استسلام ناعم يُعاد صياغته بمفردات دبلوماسية جديدة, ام انه فعلاَ سلام حقيقي مبني على التعايش السلمي بين شعوب الشرق الاوسط "الوطن العربي"؟
لنراجع السياق التاريخي والديني و الفكري:
لفهم الأهداف الغير المعلنة وراء هذه الاتفاقيات، لا يمكن تجاهل الخلفية الدينية والفكرية التي تحكم العقل السياسي لصُنّاع القرار "اليهود".
فقراءة التوراة والتلمود تساعد على إدراك التصورات التي يحملها اليهود تجاه غيرهم "الجوييم".
فالتوراة، وتحديدًا سفر التثنية (الإصحاح 20)، يقدم تصورًا واضحًا لطبيعة العلاقة مع "الآخر":
"حين تقترب من مدينة لتحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك وفتحت لك، فكل شعبها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا، فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف."
هذه الرؤية لا تتحدث عن تعايش سلمي، بل عن إخضاع و إذلال وعبودية مبطنة بإتفاقيات سلام بينما هي في الحقيقة و الواقع اتفاقيات استسلام و وفق هذا التصور هو "خضوع بشروط المنتصر"، لا شراكة بين أنداد.
و هذا مذكور في التوراة و التلمود.
هناك خلط متعمد يُروج له "اليهود", وكلائهم, عملائهم, جواسيسهم "اليهود المتخفون"، يتمثل في التمييز المصطنع بين "صهيوني" و"يهودي"، أو بين "متدين" و"علماني"، وكأن هناك فوارق جوهرية بينهم في الرؤية الكُلية للمشروع السياسي والديني. لكن في الواقع، هذا التفريق قد يُستخدم لخداع البسطاء و المعفلين لإيهامهم بوجود تنوع حقيقي في المواقف و ان "اليهود" لا يريدون الحروب و لا يريدون إقامة مملكة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات.
بينما كتب و عقيدت "اليهود" تنص على انشاء مملكة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات فقط لليهود و ابادة كل من ليس يهودي.
التوراة مزمور 137: 5 إن نسيتك يا أورشليم ، تنسى يميني.
سفر التكوين 12: 1-5 :
وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ».
سفر التكوين 12: 14-15 :
14 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، 15 لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ.
سفر التكوين 15: 7 :
ُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا».
سفر التكوين 15
18 فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ مِيثَاقاً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً: «سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19 أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20 وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21 وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
حتى الحركات التي يُروَّج لها باعتبارها "مناهِضة لإسرائيل و الصهيونية"، مثل جماعة "ناطوري كارتا" اي فرسان الهيكل (الذين اشعلوا و قادوا الحروب الصليبية)، كثيرًا ما تُستخدم ضمن حملة علاقات عامة تهدف لتلميع صورة العقيدة الأصلية، التي تُنادي بعودة مملكة إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات فقط لليهود، كما ورد في كتبهم.
ما الهدف الحقيقي من وراء هذه الاتفاقيات المزعومة؟
الهدف هو فرض أمر واقع جديد، تُفرّغ فيه دول المنطقة من قوتها، وتُساق إلى "سلام مشروط" يضمن تفوق جهة واحدة "اي اليهود" وهيمنة مستمرة لهم. ويتحقق ذلك من خلال:
تفكيك الجيوش وإفراغ الدول العربية.
ما بعد هذه الاتفاقيات شهد تحولات جوهرية في بنية بعض الدول العربية، منها:
تحجيم الجيوش وتحويلها إلى أجهزة شرطة داخلية لا تتعدى مهمتها ضبط الأمن الداخلي. جيوش لا تملك من العتاد إلا ما يكفي لضبط و قمع الشعوب، لا لحماية الحدود و اراضي الوطن.
بينما تُمنع من تطوير قدراتها الاستراتيجية و العسكرية أو التصدي لأي تهديد خارجي.
تفكيك الصناعات العسكرية أو تحويلها إلى مصانع استهلاكية لإنتاج البسكويت والمعلبات والخضروات، في مقابل استيراد التكنولوجيا المتقدمة من الخارج.
الدين و التعليم:
إفراغ التعليم من محتواه العلمي والوطني و العمق والمعنىى.
تهميش التخصصات الاستراتيجية مثل الفيزياء والرياضيات والهندسة النووية، وتحويل الطلاب إلى أدوات تكرار لا تفكير"ببغاءات"
بالتزامن مع حملات ممنهجة لاستهدفت العلماء والمفكرين في دول عدة مثل العراق و فلسطين ومصر.
فرض مناهج تعليمية ضعيفة وهشة وإضافة برامج تعليمية تمجد باليهود و الغرب المحكوم من قبل اليهود مع تدريس تاريخ مفبرك و مزيف يحرف و يتلاعب بالاحداث التاريخية.
التلاعب بالمفاهيم الدينية:
التدخل لم يقف عند حدود السياسة والاقتصاد، بل امتد إلى البنية الدينية والثقافية. فقد شهدنا محاولات عديدة لإعادة تفسير مفاهيم دينية كالجهاد والولاء والبراء، وترويج نماذج "إسلامية جديدة" تحت مسمى الاسلام المعتدل تروّج للخضوع باسم التسامح و الحداثة و التطور.
هذه الأساليب تُذكّرنا بما فعلته المخابرات البريطانية في الهند من دعم إنشاء "الديانة القاديانية"، التي حرّفت مفهوم الجهاد بما يخدم مصالح الاحتلال البريطاني حينها.
تشويه المفاهيم الدينية عبر حذف الآيات أو تحريف التفسيرات، هذه الأساليب الخبيثة الشيطانية تُذكّرنا بما فعله الاحتلال البريطانية في الهند عندما دعمت المخابرات البريطانية إنشاء "الديانة القاديانية" لتبرير الخضوع للمحتل تحت مسمى "المقاومة السلمية, عدم الخروج على الحاكم و طاعة ولي الامرحتى و لو كان اجنبي او من غير دين" و حذف ايات من القران التي تدعو للجهاد.
ما الهدف الحقيقي؟
الهدف البعيد لا يتعلق بـ"السلام" كما يتصور البعض، بل بإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا و دينياَ، بحيث تصبح خالية من مقومات القوة والممانعة، وتدور في فلك مشروع واحد يُراد له أن يمتد من النيل إلى الفرات مع انشاء دول كرديا, فارسية, بربرية "امازيغيا" افريقيا و ايضا الاتحاد الاوروبي لتكون هذه الدول حزام امني لمملكة اسرائيل الكبرى.
رؤية نحو سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط والعالم.
إن أي مشروع حقيقي للسلام يجب أن يقوم على العدالة والمساواة ورفض الهيمنة والتمييز الديني أو العرقي. ومن هذا المنطلق، يمكن طرح عدد من المبادئ التي تضع الأساس لسلام حقيقي، لا مجرد "إدارة للصراع" أو "تجميد مؤقت للعداوات":
1-حل مشكلة الاحتلال اليهودي لفلسطين:
معالجة ملف الهجرة اليهودية إلى فلسطين بشكل عادل، من خلال العودة إلى جذور القضية، بما يشمل إعادة دراسة شرعية استيطان ملايين من اليهود القادمين من أوروبا الشرقية والغربية، وإيجاد حل عادل لهم يراعي حقوق السكان الأصليين من خلال اعادة كل اليهود الى بلدانهم التي جائوا منها مثل "هولندا, بولندا,المانية, روسيا, بريطانيا, فرنسا الى آخره".
2- مراجعة المناهج الدينية اليهودية المتطرفة من خلال تغيير المناهج التعليمية الدينية اليهودية مع حذف و الغاء كل النصوص و الاسفار التي تدعوا للحرب, القتل, الارهاب, العنصرية, شرب دماء البشر من غير اليهود و احتقار غير اليهود الى آخره.
3-إصلاح المنظومة الدولية:
تأسيس امم متحدة جديدة مستقلة وغير خاضعة لنفوذ الدول الكبرى تكون بديلة للأمم المتحدة الحالية.
يكون مقرها في منطقة محايدة لا تتبع لحلفٍ سياسي أو اقتصادي معين. يعني ليس في الولايات المتحدة الامريكية.
4-إلغاء مجلس الأمن الدولي:
الذي يستخدم نظام "الفيتو" الذي يمنح امتيازًا غير عادل لبعض الدول، واستبداله بمجلس عالمي للوزراء يُمثّل فيه الجميع بالتساوي، ويُتخذ القرار فيه بالأغلبية لا بالإجبار و الانحياز.
5-نزع السلاح النووي عالميًا:
بدء عملية نزع شامل للأسلحة النووية من جميع الدول، بدءًا بالدول الأكثر تسليحًا، بما فيها الولايات المتحدة، إسرائيل، والدول الأوروبية، منعًا لاحتكار القوة التدميرية واستخدام السلاح النووي كأداة للتهديد والقتل، كما حصل في هيروشيما وناجازاكي.
6-إصلاح النظام المالي العالمي:
إنهاء هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية، والانتقال إلى عملة عالمية موحّدة تُدار بشفافية من قبل هيئة دولية مستقلة، لتقليل النفوذ المالي السياسي لدول معينة.
استبدال الدولار بعملة نقدية عالمية واحدة تكون بمثابة عملة عالمية لالتبادل التجاري بين دول العالم.
7-إعادة هيكلة المؤسسات المالية الدولية:
استبدال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمؤسسة تمويل عالمية جديدة يشرف عليها محافظو البنوك المركزية لجميع الدول، تضمن عدالة توزيع الموارد، ودعم الدول الفقيرة دون شروط سياسية.
8-إصلاح القضاء الدولي:
إعادة تشكيل المحكمة الجنائية الدولية على أسس نزيهة، بحيث تكون مستقلة بالفعل، وتُحاسب جميع مجرمي الحرب من أي دولة أو دين أو خلفية، دون استثناء أو محاباة "هذه المحاكم لا تحاكم اليهود بل كل من يصنفونه عدو لهم".
محاكمة مجرمي الحرب كالرئيس جورج بوش, الرئيس بيل كلينتون, رؤساء اسرائيل و جنرالاتها.
في الختام:
"السَّلامُ الإبراهيميُّ" ليسَ سَلامًا، بل اسْتِسلامٌ ناعِمٌ مَكشوفُ الأهدافِ والخلفيَّاتِ.
هو بوَّابةٌ لإعادةِ تَشكيلِ الهُويَّةِ والثَّقافةِ والعَقيدةِ والحدودِ، بإرادةِ الآخَرينَ لا بإرادتِنا.
فإنْ قبِلْنا بهِ، فَـ"الفتوحاتُ" المُقبِلةُ ستَكونَ عَبرَ سُيُوفِ القُوَّاتِ اليهودية،
و عَبرَ مِنصَّاتِ التَّواصُلِ الاجتماعي، هوليوود وأفلامِ نِتفليكس، ومَناهِجِ التعليمِ، ومراكزِ الأبحاثِ، وخُطبِ الجمعةِ في الجوامعِ التي يُموِّلُها ويديرها "اليهود".
السلام الحقيقي لا يُبنى على أساس القوة المفروضة أو الخداع السياسي و الديني. ما نحتاجه هو سلام عادل، قائم على احترام الحقوق والسيادة، لا على تحييد الشعوب وتدجين الجيوش وتسطيح العقول و التلاعب بالدين.



تعليقات
إرسال تعليق