تاثير العقيدة اليهودية على القرار السياسي والممارسات العسكرية والاجتماعية في اسرائيل: دراسة صحفية اكاديمية
تاثير العقيدة اليهودية على القرار
السياسي والممارسات العسكرية والاجتماعية في اسرائيل: دراسة صحفية اكاديمية.
مقدمة:
تعد "دولة اسرائيل" في
جوهرها دولة دينية، قائمة على اسس عقدية يهودية توراتية صرفة، وليست -كما يروج
لها- دولة علمانية بالمعنى المتعارف عليه في النظم السياسية الغربية. فشعار
"العلمنة" الذي تتبناه اسرائيل ظاهريا ما هو الا غطاء ايديولوجي لاظهار
طابع مزيف يخادع الراي العام العالمي ويغلف المشروع الديني اليهو دي بغطاء حداثي،
في حين ان الواقع يؤكد ان القرار السياسي، والممارسات العسكرية، والتوجهات
الاجتماعية كلها تستمد شرعيتها ورؤيتها من النصوص الدينية والتراث التفسيري للتناخ
والتلمود.
ففي جوهرها، ليست "اسرائيل"
دولة علمانية بالمعنى المتعارف عليه، ولكنها دولة ثيوقراطية تدير سياساتها وقواتها
المسلحة ومؤسساتها المجتمعية والثقافية وفق نصوص التوراة وفهم الحاخامات.
وهناك توافق تام بين المؤسسة الدينية
والعسكرية، حيث يشرف ربانيم (حاخامات) على توجيه الجنود وتحفيزهم دينيا قبل كل
معركة، ويستمد صناع القرار السياسي شرعيتهم ورؤيتهم الاستراتيجية من النصوص
المقدسة ومفاهيم "ارض الميعاد" و"شعب الله المختار".
ان نظرية "القومية الدينية"
التي تحكم فكر الاحزاب المهيمنة على المشهد السياسي في اسرائيل، تركز على واجب
اقامة الدولة اليهودية كفريضة دينية تستوجب تطهير "ارض اسرائيل" من
"الغرباء"، وهو ما يفسر العنف والتهجير وسياسات الاحتلال بابعادها
الدينية والتفسيرية للنصوص القديمة.
ومن الخطا التحليلي الفادح ان نفصل بين
الدين والدولة في اسرائيل، فهي واحدة من قلائل الدول المعاصرة التي تمارس سيادتها
باسم نصوص دينية وتشرع القوانين وتقنن القتل والاحتلال وبناء المستوطنات كفرائض
دينية، لا كاجراءات ادارية او امنية بحتة.
مختصر:
تتناول هذه الدراسة الصحفية الاكاديمية
العلاقة الجذرية بين العقيدة اليهودية المستندة إلى التوراة والتلمود، وتاثيرها
العميق على صنع القرار السياسي، والممارسات العسكرية، والسلوك الاجتماعي داخل
اسرائيل. يسعى البحث إلى تحليل كيف تتجلى هذه العقيدة في تفاصيل الحياة العامة
والمواقف الاستراتيجية، مستندا إلى وقوعات تاريخية وشواهد موثقة.
العلمانية المزيفة وسطور الخطاب الديني
الخفي:
تشكل العقيدة الدينية اليهو دية
المرتكز الرئيسي في صياغة السياسات الاسرائيلية، سواء في المخططات العسكرية، او
التنظيم الاجتماعي، او اختيار المواقع الجغرافية للتمثيل الدبلوماسي. وينطلق هذا
البحث من فرضية اساسية تفيد بان السلوك الاسرائيلي في عدد كبير من مواقفه السياسية
والعسكرية، لا ينبع من مبادئ عصرية او مصلحية بحتة، وانما يستمد من منطلقات
توراتية وتلمودية راسخة، يجرد خطابها الدعائي من الاطر الدينية ليقدم للعالم في
اطار علماني زائف. وبذلك، تكون "العلمنة" في الحالة الاسرائيلية مشروعا
تكتيكيا للتمويه السياسي، لا نمطا فكريا حاكما.
1.مقدمة
واشكالية البحث.
تتصدر هذه الدراسة مسعى تحليليا ونقديا
لفهم جذور السلوك السياسي والعسكري والاجتماعي في داخل الكيان الاسرائيلي، انطلاقا
من فرضية اساسية تؤكد ان كل تصرف او قرار يتخذ في هذا الكيان، لا يخرج عن اطار
العقيدة الدينية اليهو دية وتعاليمها التوراتية والتلمودية، سواء على مستوى
التخطيط العسكري، او الادارة السياسية، او حتى انساق الحياة اليومية.
فالدولة التي تقدم نفسها على الساحة
الدولية كدولة ديمقراطية حديثة وعلمانية، تخفي خلف هذا القشر المزيف بنية دينية
متجذرة تشكل مرجعا حاسما في صياغة السياسات والتوجهات.
من هنا تنطلق اشكالية البحث الرئيسية:
إلى اي مدى تساهم العقيدة اليهو دية في
تشكيل القرارات الاسرائيلية في مجال السياسة والعسكر والاجتماع؟
وهل العلمنة في هذا السياق حقيقة فكرية
ام وسيلة تكتيكية للتواري وتسويق صورة مغلوطة عن الداخل الاسرائيلي؟
سيستعرض البحث ادلة نصية ووثائقية
ومشاهد تاريخية ومعاصرة لتدعيم هذه الفرضية، وتفكيك اطر الخطاب الاسرائيلي
العلماني الظاهر.
2.تجليات
تاثير العقيدة في الممارسات السياسية والعسكرية
تظهر السلوكيات الاسرائيلية، خاصة على
الصعيدين السياسي والعسكري، تاثرا عميقا بالمرتكزات العقدية للديانة اليهو دية، في
تجليات عملية تفند الزعمات العلمانية وتظهر الماهية الدينية للدولة.
2.1. الدلالات
الجغرافية والسياسية.
من الامثلة البارزة على تدخل العقيدة
في اتخاذ القرار السياسي، ما حدث عند افتتاح السفارة الاسرائيلية في القاهرة، حيث
اصرت القيادة الاسرائيلية على ان يكون موقع السفارة على الضفة الغربية لنهر النيل،
رافضة كل المقترحات التي تضعها على الضفة الشرقية.
يفسر هذا الاصرار بضوء النصوص
التوراتية والتقديس الجغرافي للارض الموعودة، حيث تنص "سفر التكوين"
(15:18) على قول الرب لابراهيم:
"في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقا قائلا:
لنسلك اعطي هذه الارض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات."
وفقا لهذه الرؤية الميثيولوجية، تعتبر
الضفة الشرقية لنهر النيل جزءا من "ارض اسرائيل الكبرى" المزعومة، وبذلك
يكون اقامة السفارة عليها تطبيقا ضمنيا لسيادة داخلية، وليس تمثيلا دوليا، وهو ما
ينافي مقصد السفارة كمهمة دبلوماسية.
يشكل هذا الموقف نموذجا واضحا لكيفية
استخدام النصوص الدينية كمرجع لرسم الخرائط السياسية وتوجيه الخطاب الجغرافي
الاسرائيلي.
2.3. التسميات
الدينية للصراعات:
تطلق القيادة الاسرائيلية على حروبها
وعملياتها العسكرية اسماء ذات دلالات دينية عقدية، فحرب 1948م تسمى "حرب
التحرير"؛ اي تحرير "ارض اسرائيل الموعودة"، وحرب 1967م تسمى
"حرب الايام الستة"، في اشارة صريحة لقصة النبي "يوشع" في سفر
يشوع (10: 12-14)، حين طلب من الرب ان يؤخر غروب الشمس ليتم ابادة اعدائه قبل غروب
يوم الجمعة وبدء السبت المقدس.
اما على الصعيد الدولي، فان الحماس
الديني اليهو دي يتجلى ايضا في السياسات العسكرية الامريكية، خصوصا في ظل حكام ذوي
ميل توراتي يهو دي، كجورج بوش الابن "يهو دي متخفي"، الذي شن حربا على
العراق بدوافع "غيبية" دينية، فتم تسمية هذه الحرب في بعض الوثائق
الدينية المحافظة بـ"حرب دانيال على ماجوج"، ففي المخيلة التوراتية ينظر
إلى البابليين، وهم اهل العراق القدماء، كقوم "ماجوج" الذين سبوا اليهود
في القدم.
كما ان كل المعدات العسكرية، من دبابات
وصواريخ وعربات وقواعد، تحمل اسماء ذات طابع ديني يهو دي، كـ"دودو"
و"مركبا" و"سفاعون"، وهي تسميات تستمد معانيها من التراث
الديني اليهودي واسفار العهد القديم.
وكذلك، فان العمليات العسكرية
الامريكية، في كثير من الاحيان، تتخذ اسماء تستوحي رموزا دينية من التوراة
والتلمود، فتسمى بعضها "عملية السيف المقدس"، او "عملية العدل
الالهي"، ويتم الترويج لها في خطاب يخلط بين السياسة والدين والقدر.
3.اثر
العقيدة على النواحي الاجتماعية والحياة العامة.
لم تكن الديانة اليهو دية محصورة في
الهيكل او الكنس، بل انساحت تاثيراتها في كل زوايا الحياة اليومية للمجتمع
الاسرائيلي، حتى اصبحت مظهرا مندمجا في السياسة، والقضاء، والادارة العامة، وسلوك
الافراد والجماعات.
ففريضة السبت، على سبيل المثال، تعتبر
من المقدسات التي لا يساوم عليها، حيث تتوقف جميع الاعمال، وتغلق الدوائر الرسمية
وغير الرسمية، وتتعطل حتى وسائل النقل العام وخطوط الطيران المحلية، في تطبيق حرفي
لما جاء في سفر "الخروج" والتفسير التلمودي له. ولا يستثني ذلك احدا،
فالرئيس ورئيس الوزراء واعضاء الكنيست يخضعون لهذه التعاليم كما يخضع لها افراد
الشعب.
وتصل هذه النزعة الدينية إلى ادق
تفاصيل الحياة، فيفرق بين الطعام "الكشر" (الحلال بالمعايير الدينية
اليهو دية) والطعام العادي، وتخضع المؤسسات لرقابة شرعية يشرف عليها مجالس دينية
معتمدة. كما يميز بين ايام "الطهاره" و"النجاسة"، ويفرض ذلك
على النساء والرجال على السواء.
وفي المؤسسات التعليمية، يدرج المنهج
الرسمي مواد تعتمد على نصوص التوراة وشروح التلمود، ويتم تربية الاطفال منذ الصغر
على تبني رؤية دينية للتاريخ والواقع، حيث يغرس فيهم انهم "شعب الله
المختار" وان لهم "ارضا موعودة" وعدهم الله بها، ويجب عليهم
"تطهيرها" من "الغزاة" و"الكنعانيين الجدد".
وبذلك، تشكل العقيدة الدينية الاطار
الناظم لكل مجال من مجالات الحياة، فلا تبقى مجالات السياسة والاجتماع والتربية
والاقتصاد بمعزل عنها، مما يؤكد الطابع الثيوقراطي (Theocracy) الذي يتسم به النظام الداخلي لدولة الاحتلال.
4.عقيدة
دينية تقوم على الارهاب والعنصرية.
يؤكد التحليل المتعمق للسياسات
العسكرية والاجتماعية والادارية في اسرائيل ان العقيدة اليهو دية وتعاليمها لا
تقتصر على المرافق الدينية، بل تتغلغل في كل مفصل من مفاصل الحكم واتخاذ القرار.
فمن تسمية العمليات العسكرية باسماء دينية، إلى تعيين الحاخامات في الوحدات
المقاتلة، ومن تحديد السياسات الاقليمية والاستراتيجية وفقا لما يفهم من النصوص
التوراتية، إلى تكريس الفرائض الدينية في الحياة اليومية—يتضح ان البعد العقائدي
يشكل جوهر لاسرائيل ودافعا اساسيا لسياستهما.
وعلى هذا الاساس، فان اي قراءة للصراع
في المنطقة تتغاضى عن الجذور العقدية والخلفيات الايمانية التي تحرك ذلك الكيان،
هي قراءة قاصرة عن الاحاطة بابعاده الكلية. لذا، تسعى هذه الدراسة لفتح نافذة على
هذا البعد الغائب في الكثر من التحليلات السياسية، وتؤكد ان الفهم الحقيقي لسلوك
اسرائيل وتصرفاتها يبدا بفهم ما تستبطنه من تصورات دينية ومفاهيم ميتافيزيقية تحرك
جنودها وقادتها.
وفي الختام، فان ما يسمى
بـ"معاهدات السلام" والتطبيع مع اليهو د لا يخرج في الحقيقة عن كونه
استسلاما مجانيا، يشبه فيه الخراف اذا قادوا انفسهم طوعا إلى قطعان الذئاب.
فالتاريخ والنصوص والممارسات تشهد بان الثقة في من يجعل نصوصه الدينية مبررا
للتوسع والقتل هي وهم خطر.
فهي صيحة نبوية تحذر من النفاق والتدين
الزائف الذي يخفي وراءه طموحا دنيويا وتغولا على الشعوب. وعلينا ان نفرق بين سلم
حقيقي يبنى على العدل، وبين تطبيع يفرض فوق جراح المظلومين.
تعليقات